حكايـة مُصـيـبـة !! (8)

حكاية مُصيبة !

|  الحلقة الثامنة (8)  |

"مــازن .. مُصيـبـة ! "

(مازن عرفة حسين عرفة)...

هو ده اسمي !

ميهمنيش أعرف عندي كام سنة ..

ميهمنيش أعرف أنا كُنت في مدرسة ايه !

ولا اتخرجت من كُلية ايه ..

ولا حتى يهمني أنا باشتغل ايه !

أنا خلاص كُنت اتعودت على الحياة مع جهلي ..

جهلي بأبسط معلومات عن نفسي ..

وجهلي بمعاني ومفاهيم الأخلاق في حد ذاتها ..

يمكن تقول إن أهلي مربونيش كويس ..

أو إني شخص واطي سليط اللسان .. 

ومش بيفرق معايا لا قريب ولا حبيب ..

بس صدقني .. 

كُل ده مكانش بذنبي ..

أصل أنا ... خير اللهم اجعله خير ..

حصلت لي حادثة من حوالي سنة ..

الحادثة دي انتهت نهاية مآساوية ..

راح فيها أرواح ناس ..

راحت فيها مباديء وأخلاق أهم من الأخلاق اللي أنا نسيتها ..

راح فيها تعب وتخطيط ..

بس أهم حاجة راحت ..

هي إني فقدت ذاكرتي بعد الحادثة دي ..

وإني دخلت في غيبوبة ..

غيبوبة طويلة ..

وبعد ما فُقت ..

كُنت كأني لم أكن !

زي ما أكون مخلوق جديد ..

بيحاول يجمع أفكاره لأول مرة !

ولحد امبارح وأنا مفكر إن مفيش أي أمل إني افتكر ..

لحد امبارح وبس ..

مكانش عندي الشجاعة ولا القدرة إني أعمل حاجات كتيرة ..

لحد امبارح مكنتش باعرف أعدي الشارع لوحدي ..

لكن النهارده .. 

أنا افتكرت كتير .. كُل حاجة تقريبًا ..

وأهم من أي شيء ..

افتكرت اسمي كويس ..

أنا (مازن عرفة حسين عرفة) الشهير بمُصيبة ..

ودلوقت بس .. أعرف أعدي الشارع لوحدي !

~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~

- امبارح ..

كُنت في قمة الانهيار ..

لمّا وصلت شقة أكرم ..

لمّا خبطت على بابه ..

لمّا فتح لي واتفاجيء بوجودي ..

ساعتها مكُنتش عارف أنا المفروض أفكر في ايه ..

افكر في الأحداث اللي حصلت لي ..

في مُقابلتي مع عمرو وأحمد ..

والمواجهة مع الأمن المركزي وإسماعيل ..

ولا يا ترى الحادثة والفلاش باك اللي اتنقلت فيه ..

ولا المفروض أفكر أنا ازاي وصلت عند أكرم !

كُنت عامل زي الكمبيوتر اللي بيهنج !

عقلي كان محتاج يُقف عن العمل لفترة ..

كان مجتاج يتعمله ريستارت ..

- أكرم .. واللي حصل واتخانق معايا قبل 48 ساعة ..

قام بالواجب وزيادة ..

لمّا وصلت امبارح ..

وبعد ما استوعب الصدمة ..

مهمهوش يعرف ايه اللي حصل .. ولا ايه اللي عمل فيا كده ..

خاصةّ مع شكلي المبهدل .. وهدومي اللي اتقطعت إلى حدٍ ما من الجري ..

والتُراب والعُفارة اللي غطتني من أولي لآخري ..

وشكلي اللي يقطع الخلف !

- أكرم .. أخدني .. وشربني كوباية مياه !

وأنا شبه واثق إن المياه دي كان فيها مُخدر !

لإن آخر حاجة افتكرها من ليلة امبارح ..

هو إن أكرم أخدني في أوضته .. وخلاني أنام في سريره ..

وخرج !

ودلوقت الساعة 10 الصُبح !

وأنا لسه صاحي ..

حاسس إني إنسان تاني خالص ..

ودي حقيقة فعلا ..

- قُمت من السرير ..

فردت جسمي .. مديت دراعاتي في الهوا ..

حسيت بكُل شدة في جسمي ..

حسيت إنها بتقولي إني رجعت تاني ..

وإن الشخص اللي كان جوايا ..

الشخص اللي كان ناسي كُل حاجة خلاص مبقاش موجود تاني ..

وإن مازن الحقيقي رجع ..

وأول سؤال جه على بالي بعد ما صحيت ..

يا ترى هي دي حاجة كويسة ؟!

لو كُنت في بيتنا دلوقت ..

ولو كان معايا مُذكراتي ..

كُنت حاكتب فيها لأول مرة وأنا فاكر ..

كُنت حاكتب جُملة بسيطة ..

( في الذكريات حكاوي !! )

وأنا فعلا بدأت الحكاوي دي مع اليوم الجديد ..

مع أكرم ..

واللي كان بشكل غريب تناسى كُل حاجة حصلت ما بينا في اليومين اللي فاتوا !

هو ده السبب اللي بيخليني أحب أكرم ..

~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~

- خرجت برا الأوضة ..

وأوضة أكرم شبه أوضتي إلى حد كبير ..

بس هي أوسع ومُنظمة أكتر ..

خرجت لصالة واسعة في شقة أكرم ..

أكرم كان قاعد على كُرسي وبيقرأ الجُرنان !

نزل الجرنان ، بص لي للحظة ..

وبعدين رمى الجرنان جنبه على ترابيزة صغيرة ..

بص لي تاني ..

ابتسم لي ابتسامة مُختلفة عن اللي اتعودت عليها الفترة اللي فاتت ..

مش عارف هل هو فعلا غيّر ابتسامته .. 

ولا يمكن علشان أنا اللي اتغيرت ؟!

توقعت إنه حيقوم ..

لكنه فضل في مكانه ..

وعلشان كده قعدت على كُرسي أدامه ..

بص لي .. بصت له ..

وأخيرًا نطق / "مازن" 

قال اسمي بشكل طفولي ..

 حسيت بنبرة حزن مُختلطة بنرة فرح خفية !

رديت عليه بهزة من دماغي ..

فهمني على طول .. وضحك ضحكة خفيفة ..

وبعدها قال / "مُصيبة !! "

ضحكت ..

هو ده اسمي !

~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~

- مازن !

أنا مش باحب الاسم ده !

طول حياتي ..

والناس اللي يعرفوني بينادوني بمازن عرفة !

في المدرسة .. في الكلية ..

في الشارع .. في النادي ..

أنا كرهت اسمي ..

لإنه ارتبط بأبويا ..

ارتبط بشخصيته ..

بشهرته !

بتربيته ليا ..

بنزواته .. 

بمشاكله الكتير !

كرهته .. لإنه دايمًا بيفكرني ..

إني مهما كُنت (مازن) فأنا حاكون دايمًا (مازن عرفة ) ..

وعلشان كده ..

دايمًا كُنت بافضل واحد من اسمين ..

اسم (مُصيبة) واللي طلعه عليا أكرم من واحنا صغيرين ..

واسم (مُزز) واللي طلعته عليّا ريم أختي الصغيرة ..

الاسمين دول ارتبطوا بكل حاجة أنا عملتها ..

ارتبطوا بشخصيتي الحقيقية ..

بأصحابي ..

بسمر !

بكل ذكرى حلوة !

أنا مش قادر أصدق إني للحظة نسيت الاسمين دول !

وده طبيعي ..

على اعتبار إني كُنت ناسي كُل ذكرى !

~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~

أخدت نظرة شاملة على الصالة بتاعة شقة أكرم ..

كانت في مُنتهى الشياكة ..

كُل قطعة فيها بتدل على ذوق مُتميز ..

وبتوضح لك أد ايه هو من عائلة غنية ..

من البراويز والإضاءة الخافتة في كُل ركن ..

لغاية الكوباية المحطوطة جنبه واللي بيشرب فيها نسكافيه - عرفته من ريحته القوية-

أكرم كان عايش لوحده ..

أهله مسافرين برا في دولةٍ ما ..

ومش بيرجعوا غير مرة في السنة ..

وحتى لما بيرجعوا مش بييجوا يقعدوا معاه ..

بينتزلوا في فُندق ..

افتكرت أد ايه أكرم عانى في طفولته ..

وعاش حياة صعبة برضه زي اللي عشتها ..

مع الفارق طبعًا ..

بصيت له .. وقلت في نفسي

(ملعون أبو الغيبوبة) ..

الغيبوبة اللي خلتني مقدرش أحس بصاحبي وبشخصيته اللي تحولت 180 درجة !

قررت إني أسأله ..

بس هو سبقني .. وفكرني بإن الليلة لسه ليلتي ..

- أكرم / " خلاص .. افتكرت ؟ .. يا ترى ايه شعورك ؟ "

ضحكت بسخرية / (أي نعم أنا لسه مش قادر أرتب كل حاجة في دماغي ..

بس تقريبًا افتكرت كل حاجة فعلا .. يعني حاجات بسيطة بس اللي مش قادر أجمعها ..)

سكت للحظة واستنيت إنه يتكلم ..

بس هو متكلمش ..

كملت أنا كلامي / ( بس .. بس أنا مش عارف ..

المفروض أكون مبسوط صح ؟؟ ..

 بس فيه حاجات كتيرة زي ما يكون من الأفضل ليا إني أنساها !! )

- أكرم هزّ دماغه .. زي ما يكون راجل كبير .. راجل حكيم وعى كتير عن الزمن !

افتكرت لمّا كان بيقول لي / "يا صاحبي دي نعمة .. إنك تنسى حاجات كتيرة !! "

أكرم / "على فكرة أنا كلّمت مامتك .. وكلّمت سمر وطمنتهم عليك !! "

- ياااه .. افتكرت سمر .. يا رتى بتقول عليّا ايه دلوقت ..

وأنا المفروض كنت حاروح لها امبارح .. وانتهى بيا الأمر في زنزانة في القسم ..

قلت لأكرم وأنا لسه باتفحص المكان بيعينيا / (مش عاوز تعرف ايه اللي حصل امبارح ؟ )

ضحك .. ورد / "تقريبا أنا عرفت .. أحمد كلمني امبارح ..

وللأسف هو وعمرو مواجهين شوية مشاكل في القسم .. 

لكنهم أكيد حيحلوها كالعادة .. "

كُنت عارف كويس يعني ايه كالعادة ..

بصيت على الترابيزة اللي جنب أكرم .. واللي رمى عليها الجرنان من دقايق ..

كان عليها برواز صغير فيه صورة ..

الصورة كانت ل 3 أشخاص لابسين أبيض ..

أنا وهو ومروان !

احنا التلاتة واقفين وساندين على أكتاف بعض ..

أنا مُبتسم ابتسامة خفيفة ..

ومروان واضح إنه متضايق مننا ..

أما أكرم فكان أكتر واحد بيضحك في الصورة ..

- شاورت على الصورة .. 

وقلت له / (انت لسه مُحتفظ بيها ؟ )

رد عليا / "والهدوم كمان .. الأبيض عمره ما يتشال من عندي ! "

ضحك وهو بيقول آخر كلمتين ..

وبعدها قام على طول من على الكرسي ..

ودخل أوضته ..

غاب حوالي دقيقتين ..

وبعدها خرج تاني ..

كان ماسك تي شيرتين لونهم أبيض في ايده ..

واحد في كل ايد !

وبمجرد ما شفتهم .. حسيت برعشة في جسمي كله ..

كأني بافتكر مرة تانية كمان وكمان !

- أكرم حدفني بواحد من التي شيرتين ..

مسكت التي شيرت ..

وشفت أكرم ..وهو بيقلع تي شيرت البيت اللي كان لابسه ..

ولبس التي شيرت الأبيض في لحظة ..

أخدت بالي من حرف الـ W الموجود باللون الأحمر على جنب التي شيرت !

شميت التي شيرت اللي في ايدي ..

حسيت إني في بيتنا .. في بيتي أنا بالتحديد !

~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~

- في بلدنا ..

اللون الأبيض كان ممنوع !

ممنوع تلبس أبيض !

والأحسن لك تتجنب أي علاقة باللون ده ..

بلاش تكون عربيتك باللون ده ..

اللون ده مش مسموح بيه غير لو كان لكفنك ..

اللون ده ارتبط بينا ..

لإننا وببساطة نادينا بيه كلون للتحرر ..

وبالرغم من إنه لون بيعبر عن السلام ..

إلا أن في بلدنا حبّوا يترجموه على إنه لون مُخالف ..

وعلى إن كُل حاجة احنا بنعملها مُخالفة ..

مسكوا في الأبيض .

ونسوا أيام زمان ..

أيام الهرج والمرج ..

لمّا كان الشباب يحب يثور كان بيثور ..

وكانت كل الجوانب بتخسر ..

البلد .. الحكومة .. وحتى الشعب ..

بس في حركتنا ..

كان هدفنا الأول والأخير إننا نكون مُسالمين ..

وإننا قبل ما نغير في حكومتنا ..

ننجح في تغيير شعبنا ..

إننا نقلل من السلبية اللي ظهرت فينا !

حركتنا كان اسمها (أبيض ) !

وكان شعارها هو حرف الـ W واللي بيرمز لـ White

واللون ده فعلا لاقى نجاح كبير ..

وانضم لنا جماعة كبيرة من الشباب والكُبار والعيّال الصغيرة كمان ..

ناس من كل الطبقات ..

كُنا زي حزب صغير قايم من غير موافقة الحكومة ..

وكنا مُقتنعين إننا حزب مُسالم ..

لغاية ما كل حاجة اتغيرت ..

وانتهت بحادثة !

- أنا اللون ده كان بيعني لي كتير ..

لإنه اللون الوحيد اللي أبويا مكانش بيحبه !

(أبيض) !

هو ده لوني المفضل ..

 وهو ده اللون الحركة اللي أنا وأكرم وعمرو ومروان وأحمد وسمر وريم ..

كلنا مشتركين فيها ..

هي دي الحركة اللي أنا أسستها !

~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~

- "مُصيبة " !

أكرم نادى عليا ..

وأنا لسه باشم في ريحة التي شيرت ..

قلت له بجنون / ( أكرم .. كان فيه شقة ..

كان فيه شقة .. بس مش قادر افتكرها كويس ..

بالضبط زي ما أنا مش قادر افتكر الحادثة اللي حصلت لي قبل كده ) ..

أكرم هز دماغه ورد عليا / "دي شقتك يا ما .. مُصيبة .. "

" لو تحب تروحلها .. أعتقد مُفتاحها مع مامتك " ..

سكت للحظة ..

وفكرت في إن الحادثة دي طبيعي إني متفكرهاش ..

وده لإنها حصلت قبل دخولي في الغيبوبة مُباشرةً ..

لكن الشقة .. ازاي مش فاكر مكانها !!

- تليفون أكرم رنّ ..

راح رد على طول ..

ورجع بعد دقيقة ..

بص لي وأخد نفسه وبعدين قال لي /

" Welcome Back "

اتعجبت من جملته .. هو فاكر يرحب بيا دلوقت ؟!

وبعدها قرّب وحضني على السريع كده ..

واضح أنه متغيرش كتير ..

دي كانت طريقة من طريقته قبل ما ينقل لأي حد مننا صدمة ..

حضنته .. وبعدها سبته ..

بصت له جامد وابتسمت بغموض وسألته / ( فيه ايه يا أكرم ؟! )

أخد نفسه مرة تانية ..

وقال لي / " مامتك اتصلت .. باباك .. باباك حيرجع بعد 3 أيام ..

وهي قالت تقولك من دلوقت أحسن !! "

حسيت برعشة تانية بتسري في جسمي ..

وبشكل غريب حسيتها بتسري في أكرم برضه !

بس أنا ضحكت ..

وهو عارف كويس أنا ضحكت ليه ..

فالبرغم من رغبتي المُستميتة في أني أروح شقتي إياها دي ..

إلا أني مقدرتش أمنع نفسي من التفكير .

في إن أبويا راجع بعد 3 أيام ..

وإني للأسف مُضطر أواجهه ..

- تمنيت لحظة ..

 لو إنه كان رجع وأنا فاقد ذاكرتي ..

فكرت وبدأت أعد كل ثانية ..

باقي من الزمن 72 ساعة ..

وأبويا حيرجع من السجن !!

بس مهما حيحصل بيني وبينه ..

مش حاكون (مازن عرفة ) !

لإني بكل بساطة (مُصيبة !! ) ...

يُــتــبــع !

مُــصـيـبـة !

TNT        

14/7/2010