Wednesday, February 29, 2012

قصة: بنت المحظوظة!


"تعصفُ الرياح بالمدينة..." ــ  هكذا يصوغها مُحلل الطقس.
"الهوا جامد... زعابيب، زعابيب!" ــ هكذا يصوغها العامة.

ولا فرق في الجوهر أو الأثر، في النهاية يمضي الجميع في الطريق ذاتِه... ظهورهم للبحر المائج، يسيرون بقوة الدفع، في محاولة للوصول إلى أقرب نُقطة أسفل مبنى، أو داخل مبنى، او ما بين مبنى والآخر، حيث تضعُف تيارات الهواء العاتية، وتتمكن من الحفاظِ على هندمتِك، ورونق شعرك لو كُنت أو كُنتي من مكشوفي الرأس.


"أوف... امتى الجو يتصلّح... اووف بجد!"
تتأفف مثنية الرُكب بقوة الدفع.

"طار في الهوا شاشي وانت متدراشي..."
تُدندن رفيقتِها، في محاولة إغرائية للسيطرة على (جونلة) لا تتناسب والجو.

"يا جدع دع !"
تضحك الثالثة بأنفاسٍ ساخنة واضحة وسط البرد.

"ووووووووووووووه !"
تيار هوائي اندفاعي، يثني الرُكب، ويحني الجسد ــ فتطيرُ الرابعة، تسقُط من فرطِ الدفع.
تشهق الصديقات، ويتجمد المارة في الشارع... الجميع ينظُر في ترقُب.

"اسنديها..."

"قومي.. قومي!"

"آدي آخرة (الريجيم) يا بنت المعصعصة!"

لا يمُد أحدٌ لها بيدِ العون، حتى يخرُج هو من وسط المارة... يركُض عكس التيار، قادمًا من الجانب الآخر للطريق.

"انتِ كويسة؟!"
يأخذ بيدِها وتنهض، يتبادلان نظرات حادة.

"الشمسية دي ليكي!"
يُعطيها مظلّته السوداء الكلاسيكية، يفتحها،  يُثبتها في كفها، ويتركها لتطير بقوة الدفع... تُحلّق إلى فوق، وسط أنظار الجميع.


"لو الجو اتصلّح.. حتقُع ــ يا رب ما يتصلّح!"
تدعو.

"ما تستُرني زي ما سترتها!"
تغمز له الثانية.

"يا رفيعة يا بنت المحظوظة."
تحسدها الثالثة.


"طارت في الهوا شاشي... وهي متدراشي ــ أنا جدع دع !"
يُدندن في فرح، يبتعد وسط تصفيق الجميع... يستمتع بالبرد، بالعاصفة، بالمطر... يبتل، لا يكترث بالهندام، أو الرونق... يبحث عن مبنى، ليدخله، أو يقف أسفله... ليُغني تحت المطر.

يُقلّده الجميع... تُشرق الشمس، تذوب السُحب ــ وتستمر الزعابيب، كي تطير هي!




طارق نادر
29 فبراير 2012

Sunday, February 19, 2012

قصة || احتفال الخـدمـ !



  
احتفالاتهم لم تُزعجها على الإطلاق، ما أزعجها كان رائحتهم، العرق المُختلط بدُخانِ التبغ وبارود الانتصار ــ بدت كزهرة يتيمة في بُستانٍ خالص من الطين، لكنها كانت مُجبرة على التواجد، هُنا وسط احتفالِ الخدم.

الخدم لا يقتلون الأطفال، الخدم يرعون الأطفال، لا يقدمونهم أضحية مع ذويهم (أسياد الخدم)... ولأنها الطفلة الوحيدة الباقية في المدينة ولم تُهجّر للخارج، فقد رأوْا أن لا ضير من تركِها تنجو الآن تحيا الاحتفال، غدًا وسطهم، وبعد الغدِ أمةً لهم ــ فُرصة قلبِ الآية.

لمّا حملوها على الأعناق، طافوا بها احتفالاً... بينما أبصرت هي –بفضلِ الارتفاع- السُلم الخارجيّ لمنزلهم، سُلم حلزونيّ طويل يُجهد مُتسلقه ذُلاً ــ الخدم هم من يتسلقون السُلم، حُفاةً عُراة.

احتفالاتهم لم تُزعجها، بالعكسِ استمتعت بمُشاهدةِ الخمر والسُطّل والرقص، وتساقطهم أكوامًا من اللحم... ذابت بينهم بسهولة، إلى الُسلم، انسابت داخله صعودًا بجسدٍ ضئيل سهّل المُهمة.
حتى أدركت النافذة المُميزة لغُرفتِها، اخترقتها، وسمحت لها النافذة بالعبور، فالنافذة مُبرمجة، لها مُستشعراتٍ دقيقة لرائحتها ــ شمّت ملابسها، عرق الطفولة الفتيّ مُختلطٌ برائحةِ النبيذ ــ قفزت داخل الغُرفة بشجاعة.

الخدم مخلوقون للخدمة، هكذا أفهمتها والدتها في الدقائق المعدودة المحسوبة اللاتي تقضيانها سويًا ــ يوميًا، وأحيانًا بالصُدفة.
الخدم مسؤلون عنها، هكذا أخبرتها مُربيتها بامتعاض ذاتِ ليلة... لقد رأت مُربيتها اليوم، وهي تركُل جُثتيّ والدتها ووالدها الأسياد، رأتها تُغادر المدفن، تدهس الجُثث بأقدامٍ انتعلت حذاء والدتهِا السيدة، رأت مُربيتها تصرُخ مُحتفلةً، وزجاجة خمر في يدها ــ تستلِذ.


"وقت الوحدة، تعرفين غُرفتك، تُدركين مقعدك، تضغطين الزر... الزر هو الحل."
كان لديها زرٌ خفيّ في الغُرفة، أخبرتها والدها أنه يُسبب المطر، والمطر يغسل العرق، والعرق رائحته كريهة ــ رائحة الخدم عرق، العرق كريه ــ العرق يلزمه مطرًا لتطهير الرائحة.

ضغطت الزر في الغُرفة المُصممة خصيصًا لحمايتها، ثم صعدت إلى مقعدها... أتاحت لها نافذتها مُشاهدة رائعة للمنظر، والمطر يتساقط في الخارج ــ صفقت بمرح، واحتضنت آلتها الوترية بأُلفة.
لو حاول أحدًا أن ياتي إليه من الخارج، ستمنعه النافذة... ومن الداخل، لن يُدرك الباب المخصوص، المُعلّق.

نظرت أرضًا من فوق المقعد لتُبصر رُسغ والدتِها، عرفته من الخاتم الضخم المُتلألئ... لطالما أرادت هذا الخاتم، كان ليكون عليها أسورةً... تُريد الخاتم، تمُد ذراعيها القُصر عساها تحصُل عليه، تفشل فتتركه ــ تلعب، تعزِف، تلعب وتعزِف في المقعد ــ في الغُرفة.

هي الآن غير مُنتبهة للنيران على الجانب الآخر من النافذة، هي بالتأكيد لا تشُم رائحة الاحتراق، فغُرفتها مخصوصة ــ معزولة.



لمّا لم تُدرك الخاتم أو الرُسغ المبتور أرضًا، باغتتها رغبة جامحة في العودة لاحتفالاتهم... أخذت تعزِف على آلتها، في محاولة يائسة لتذكُر ألحان رقصاتهم العارية.

الخدم لا يحتفلون، البارود للقتل لا للاحتفال، والمطر ليس بمطر ــ البارود يُشعِل المطر الزائف، والخدم يحترقون ــ الأسياد يعيشون، ويموتون مُنتصرين.



طارق نادر
فبراير 2012