Thursday, November 24, 2011

ما بين جيل وجيل :: كنبة وحُرية::



"الأيام القليلة الماضية، كشفت لنا عن كثير من أصحابِ المواقف المُخزية"
24 نوفمبر 2011


إذن... هل تتذكر الثورة؟!
الثورة الأولى في يناير... في فبراير، هل تتذكرها جيدًا؟!
-شخصيًا- أتذكر أنهم أسموها (ثورة الشباب)، بحُكم أن الشباب بدأوها، وبُحكم أن الشباب هم الشريحة العُمرية السائدة في البلاد.


أتذكر أيضًا، أن هُناك لحظة انضمّ فيها مئات الآلاف من الأكبر سنًا (رجال ونساء بالغون)، (أهالٍ وأباء كِرام)، (كِبار السن)... هؤلاء ثورتهم نبعت من جبروت وفساد أصابهم -لا وحدهم- وأصاب ذويهم وأبنائهم (الشباب).


-------------

"إحنا مش حزب الكنبة... إحنا حزب الكُرسي الخشب"
على لسان أحدهم، 22 نوفمبر 2011


تتذكر الفلول؟!
تتذكر حزب الكنبة؟... والأقوال والأفعال المُغرضة التي عانى منها الجميع طوال الفترة الماضية؟!


(حزب الكنبة)
- مقر الحزب: (عندك في البيت)
-- أعضاء الحزب -إن لم يكونوا مؤسسيه-: أبوك، أمك، خالتك، عمتك، جيرانك، أصحاب المحال في شارعكم، سائقي المواصلات،......
--- سياسة الحزب:
(لا أنا أرحم، ولا أسيب رحمة ربنا تنزل).
---- شعار الحزب:
(أنزل أتظاهر ليه؟... والكرسي أنا قاعد فيه).


-------------


"ربنا ياخدهم، ربنا يحرقهم... وقفتوا حال البلد... إلهي تولعوا!"
على لسان الكثير، أوقات مُختلفة.


(س) سؤال... متى كانت آخر مرة تسمع فيها هذه العبارات -لن أسميها أدعية- ؟!
(س) سؤال... هل قيلت لك إحداها في وجهك؟!


أنا لن أتحدث عن نظريات كثيرة تناولت هذه المُشكلة، ما بين نظريات لمُحللين سياسيين، وفيسبوكيين -نسبةً للـFacebook-... لكن وبكل بساطة سأرد:
"سعادتك مريض نفسيًا"
وبالمناسبة أحب أن أهدي لك أغنية/
"انزل يا جميل عالساحة".


-------------


"فلتقُل خيرًا أو لتصمُت"
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.


إذن... انتم لا ترغبون في النزول، ولا التظاهر، ولا الاعتصام.
تختلفون معنا في الرأي... ترون أن ما يحدُث عطلة ما بعدها عطلة للإنتاج، وحُججكم باطلة، وأدلتكم ضعيفة.
فلا داعٍ لأن تدعو على فُلان، وأن تسُب فلان بالباطل.
- الصمت هو الحل-


-------------



"الأيام القليلة الماضية، كشفت لنا عن كثير من أصحابِ المواقف المُخزية"
24 نوفمبر 2011

نعم... الجيل الذي تربينا على يديه، هو -للأسف- جيلٌ تربى على التهاون... واعتاد الظُلم.
حاولت أن أجد له مُبررات، لكن عند نقطة نور من التفكير، سقطت جميع محاولاتي الوردية.

والكلمة الفاصلة هنا، أنه لا حق لأحد أن يبقى في منزله، ويُكفّر غيره من الأجيال الصاعدة التي يُلاقي أبنائها الحتف، والخنق.
وحتى وإن أخذنا نحن الأبناء، الموضوع على أنه شيء من الدُعابة، إلا أن هُناك نُقطة سوداء فارغة قد تم حفرها داخلنا.

-------------

"أبويا وأمي خايفين عليّا يا جدع"
جُملة متداولة...

- الحق كُل الحق لهم... هذه غريزة طبيعية، خاصةُ مع قلة الحذر من الجانب الآخر.
لكن الخوف والقلق لا يُبرر أبدًا تسفيه الغير... الغير غير معلوم، والنيّة -في الأصل- غير مرئية.


:: الخُلاصة ::


لن يثوروا ضد الفساد الذي عايشوه طويلاً بسهولة،
فهل يثوروا إذن، عندما يُقتل لكُل عائلة ابنًا أو بنتًا في عزّ الشباب؟!
أم أن الأمر حينها سيكون كالآتي/
"قُتِل جميع الشباب في ميدانٍ عام...
خرج الجيل الماضي للميدان،
أصبح وحده، عاد لخزيه،
طلب المخلوع ليرأسه مُجددًا،
وعادت المياه لمجاريها،
والكنبة لقاطنيها"
-------------


دعونا نستمر في شعائر التطهير من الفسادِ والذنب،
ويبقى العهد ألا نُصبح مثلهم، وألا نُربي أبنائنا على ما تربوا عليه من خِزيّ.


"حُرية..." ـــ تصفيق ـــ "حُرية..." ـــ تصفيق ـــ
الهتاف المُفضل، والأمنية الأبدية.




:: للتذكير ::


تحية لكُل شخص يثور ويبني في ذاتِ الوقت،
تحية لمن أثبتوا صلاح النية،
وتحية لكل أب اختلف في الرأي لكنه احترم الغير،
تحية لكل عجوز أصابه الضيق، لكنه تحملّ في سبيلِ فخرٍ لم يعهده،
تحية لكل أم خافت -وعملت مش واخدة بالها- أن أولادها عائدون من المسير.




طارق نادر
24 نوفمبر 2011



Friday, November 4, 2011

(عـصـافـيـرو) !

- خـالي الخيّاط، والخيّاط نسبةً لمهنتِه، لا للقب العائلة وإلا أصبح اسم والدتي (فُلانة) الخياط... بدُكان خالي أو (المحِل) كما أُجبرت على تسميته، اعتدنا المرور عقب زيارتنا الأسبوعية لمنزلِ العائلة القريب... والدُكان -في الأصل- يضيقُ بخالي وماكينة الخياطة، ويضيقُ أكثر بوجود أُمي وجسدي الضئيل، فأُشرِف على الجلوس بالخارج أمام الفاترينة الزُجاجية المخدوشة، التي تعرض أزياءً رجالية ونسائية درجة ثانية من حيث التصميم والتنفيذ، وقطع من ملابس الأطفال التي لا أمانع في تجربتها.

في دُكان الخال، أحببتُ إنفاق الوقت مع ذلك الرجل الذي يفخر بكرشِه السمين، ويرى أن (كِرش) الرجل لا يعيبه، وهو -أيضًا- من يُروى عنه أنه وزَّ أحد سيدة في القطار لتعُض (الكُمسري) وسط خلاف دائر، انتهى بآثارِ الأسنان في ذراع الرجل.

في الدُكان، كان لدينا طقوس للزيارة، مُشاجرة بين الخال والأم... فالخال يُريدني أن (أتعشى) عند البائع الراكِن أمام الدُكان، البائع الذي تربوا كعائلة على تناول الطعام من عنده، أما الأم فتُمانع خوفًا على الصحة، وتمسُكًا بـ (عمايل ايديها).

أمام الدُكان، يقف البائع أمام عربة نُحاسية مُسقفة لها مدخنة... البائع كان يُدعى (عصـافـيرو)، و(عصافيرو) رجُل عتيق، اسمه مُضحك، يُرجّحه البعض كونِه دقّ وشم العصافير أعلى صدغيه كأي (صعيدي) فخور في شبابه.
والبعض الآخر يفترض أن ما يُقدِمه من لحمٍ شهي في (سندوتشاتِه) هو لحم عصافير... لم يثبُت أيّا من الفرضين، فعِمّةِ الرجُل أخفت مكان الوشم، واللحم لم يحتوِ على ريش.


هذه الليلة بالتحديد، انتصر الخال -لسببٍ ما- على الأم في الشجار، تاركة إياي في سبيلِ خوضِ التجربة... جذبني خالي للخارج، وقفنا أمام (عصافيرو)، ثُم طلب (سندوتش) من اللحم (كبير الحجم)، قائلاً للرجُل بعنجهية:
"اتوصى بيه"... ثم تركني وعاد للدُكان.
كانت الأم تختلس النظرات.


 * رائحة الدُخان شهية، تُسيلُ اللُعاب وتُطيلُ الانتظار... أمام (عصافيرو) وقف صبيًا آخرًا في مثلِ عُمري وحجمي، ينتظر (سندوتش) بلهفة... سألني الصبي/
"هو انت مع الخيّاط... ده؟!"
إشارته إليه بلفظةِ (ده)، أشعرتني بقليلٍ من الإهانة، فقد كُنت أفخر بخالي ولم أشعر بالعيبة -قطّ- من مهنتِه.
أومأتُ رأسي للصبي قائلاً/
"خـالي"
بكل فخر، مُتذكرًا أن الخال والِد.


(عصافيرو) بلا ملامح للوجه، يحجبه الدُخان الفحميّ، والمصباح الأصفر في سقفِ العربة، لكن (عصافيرو) بدا وكأنه يسترقُ السمع لحوارٍ الصبيين... أطلّ برأسِه المعموم خارج العربة، ثم عاد للوراء مُسرعًا... عبأ (سندوتشًا) بمهارة، وسأل الصبي المُجاور بحدة/
"انت ابنه؟!"... مُشيرًا لدُكان خالي.

أجابه الصبي/
"لا والله يا عم"

فزجّ له (عصافيرو) بـ (السندوتش) في كفيه... التهمه الصبي في لحظتِها.

ثم حان دور طلبي (المتوصي عليه)... سألني (عصافيرو) مُشيرًا للدُكان/
"وانت؟... ابنه؟!"

أصابني الفخر، فهززتُ رأسي بالموافقة... أتذكرُ أن الخال والِد.

عبأ (عصافيرو) سندوتشًا ضعف حجم ما يأكله الصبي، ثم أضاف له خلطةِ ما من رفٍ في العربة، ثم المزيد من الخلطة، والمزيد، والمزيد.... ألقى لي بـ (السندوتش).
نظرتُ لدكان خالي الخياط والوالِد... وقضمتُ أكثر مما يتسع له فمي، فالطلبُ (المتوصي عليه) لا يجب أن يؤكل كغيرِه.




* السندوتش كان حارًا يُلهبَ الحلق، فالخلطة كانت (شطة)... و(عصافيرو) الرجل لم يُحب خالي... فخالي (الخياط) رفض مرة أن يخيطَ له (جلابية) و(عِمَة)... فانتقم الرجل منه في ابنِ أخته الطفل... وذاك الطفل انتهى به الأمر عند الطبيب، وقضى ما تبقى من الليلِ في (حِجر) الأم، ولم يرَ دُكان خاله -غير الوالِد- مُجددًا.


طارق نادر
(4) نوفمبر

Tuesday, November 1, 2011

قصة: بـوارِج الـشعب !

* البوارِج/ جمع (بارجة)... وهي السفينة الحربية.



- البوارِج الحربية خرجت للنور لأولِ مرة مُنذ عقود، تطفو في مياهِ المرفأ الشعبيّ... احتفت بها مراكب الصيد، وقوارب الإيجار، وزفّها  سُكان البحر... أمدوا الجنود بمياهٍ عذبة تروي الظمأ.

البوارِج الحربية لا تبدو من بعيد وكأنها سُفُن حرب، فقد زيّنها الشعب، علّقوا بين صواريها أفرع (الكهارِب)... وسفينة منهم لونوها بالأحمر (الفاقِع)، مُخفين مدافعها (بالبلالين).

- الشعب يُهلل ويُهلل، والبوارِج تبدو كأنها مراكِب خشبية جاءت من مولِد شعبيّ لسُكان البحر، عدا أنها لم تُضء الكهارب أبدًا، بحُجة أنه لا كهرباء في مياه الملح... وصدقهم سُكان البحر.

مع رطوبةِ الأجواء، انكمشت البالونات سريعًا، ذاب اللونُ الأحمر مُخلِّفًا بُقعة مُشتتة الأطراف حول البارجة... وفي ليلة أضائت (الكهارِب)، زاد تهليل الشعب باكتمالِ الاحتفال... حتى ارتجَ البرّ، وانفجرَ المرفأ.
فإضاءة البوارِج لم تكُن سوى إشارة لولوجِ قذائف المدافع، وتحية شُكر يتيمة لزيناتِ الشعب ومياهه العذبة.


الكهرباء كانت موجودة في الأصلِ، من غواصاتٍ لم تطفُ قطّ... والبوارِج ستظلُ طويلاً في النور لا تتشكى، فجنود البوارِج قد اعتادوا مياه البحر المالِح، وقد حان وقتُ الشعب.


طـارق نـادر
(20) أكتوبر 2011