Saturday, April 28, 2012

! رقـصة الشـيطـون



(حذاء الباليه، الفُستان، الشرائط، ودُمية الباللرينا الضئيلة)
شغلتُ نفسها... المرة الأولى التي يتركونها فيها وحيدة ليلاً ــ ساعة ويعودون ــ والساعة ستون دقيقة، ستون يومًا بالنسبةِ لها.


(حذاء تكاد تُبصره، فُستان لا يظهر منه سوى الخرز الفضيّ، لا ترى الشرائط، الدُمية بين يديها)
ارتجفت... المرة الأولى التي ينقطع فيها التيار الكهربائي، وتغيبُ الأنوار عن المنزل، المرة الأولى التي تُدرك فيها الموقف وهي وحيدة... أتواجه أكبر مخاوفها وحيدة!


(رواقٌ كالطريق، من غُرفتِها إلى صالةِ المنزل...)
خرجت تسعى الحصول على شمعة ــ غير واثقة أنها ستتمكن من إشعالها، فاللعبُ بالنارِ مُحرمٌ عليها.

ذابت في الظُلمة، حتى أبصرت رأس العفريت يتوهج.

لم يكُن شيطانًا، بل شيطونًا صغيرًا في مثلِ عُمرِها تقريبًا.

أرهبها، ارتجفت، تجمدت في المحل، تسمرت أرضًا.


(الرقصُ يُحرر الخوف)
أخبروها بذلك في دروس الباليه، أن تعلُقها بعامود الرقص تمسُكٌ بالجأش، وأن كُل خطوة تتراقص فيها، تدهسُ فيها ذرةَ حوف.


(شهيق، زفير... شهيق، زفيرٌ مُطوّل... شهيقٌ عميق، حبسُ أنفاس)
استرقت خطوة نحو الشيطون، على أطرافِ أصابعها غير مُكتملة النمو.

توهجت عينيّ الشيطون... إشارتها لبداية الرقصة ــ كانت تحفظ مقطوعة (الدانوب الأزرق) عن كثب، عمِلت في عقلها بكُل إيقاعاتِها الموسيقية.


أرضية المنزل من (الباركيه)، حلبة رقص مثالية... والستائر الزرقاء المُعلقة، أضائت في مُخيّلتِها.


(مقطوعةٌ زرقاء، وإضاءة زرقاء...)
حتى الشيطون تحوّل لونه من أحمر إلى أزرق متوهج... وراقصها بصدمة ــ لم يتوقع أن يفشل في مُهمتِه الإفزاعية الأولى، حاول أن يُرهبُها أكثر وأكثر.


(فمـٌ مفتوح، صراخٌ مكتوم، أنياب، نظراتٌ تخلع القلب)
واجهته بحركة، بخفة، برقصة، تلويحة، وإنحناءة.


انتهت المقطوعة، وسمعت أصدقائها الخياليين يُصفقون لها ــ اختفي الشيطون، اختفى يصحبه فشله الذريع.


الشيطون لن يُصبح شيطانًا أبدًا... أما هي فستُصبح أشجع راقصة، وقبلها إنسانة لا تخاف، ولو حدث وقابلت يومًا شيطانًا أكبر، ستكون الرقصة أكثر تعقيدًا.

أدركت أن الرقص يُحرر الخوف، وأنك حين تعتنق الخوف، وتُعانق الموت ــ تكون أكثر حُرية.

لم تهتم بعودة التيار ــ إضاءة الستائر كانت مُختلفة، وكافية.






 طارق نادر
28 أبريل 2012