* أسيرُ وأتوقف، ثمـ أسير وأدقق في المشهد، حتى أتيقن أن فُرصة إنتقاء (ميكروباص) مُناسب هي فُرصة معدومة وسط زحام الصباح وتلاحم البشر... (ميكروباص) يصل أخيرًا، وأمواج لها أصوات الأقدام تندفع نحوه، بينما أنا في مكاني لا أتحرك... أتذكر ما قاله لي آحد أساتذتي الأفاضل أن أقف في مكاني وانتظر أن يركن أمامي... عن (الميكروباص) كان يتحدث، بدعوة لنا كمراهقين أن نتجنب التدافع والتلاحم والنتائج.
أسرع (الميكروباص) المُرتقب، تبعه السيل... ثم توقف أمامي... فتحت الباب بسهولة، وجاء نصيبي أن أكون إلى جانب السائق... شاب في عمري تقريبًا (22) عامًا، مع فارق الملبس والهندمة، وكونِه سائق (ميكروباص) وكوني في كُلية مرموقة.
* انطلق سريعًا بمُجرد أن أتمّ عملية التعبئة، يُدندن على أغاني الإذاعة المحلية... حتى وصلنا لنُقطة مُعتادة حيث الزحام الأكثر... الطريق سريع -من المُفترض- لكن زحام السيارات يتأجج مع ذهاب الجميع لأعمالِهم ودراستهم في الصباح.
لكن هذه المرة بدا الأمر كأننا لن نتحرك، وكأن أحدًا لن يصل في موعدِه... فتنهد السائق وأزاح يدي المُستندة على عصا السرعات... ثم أخرج من جيبه I-Phone.
نظرتُ له نظرةً طرفية، ولم أقاوم الحرف والكلمة على لساني:
"I-Phone"... بلكنةٍ إنجليزية مُبهرة لمن يسمعها.
جاء رد السائق الشاب بريئًا.. هزّ رأسه بهدوء وقال:
"أيوه يا بيه... آي فُن"
أردتُ أن أقول "آي يا قلبي.." بعد نُطقِه للكلمة، كأنه شخص أخنف ينطقُ اللامَ نونًا.
لكني على غير العادة، دققتُُ النظر في الشاشة الصغيرة، لأفاجئ أنه على وشك تصفح الإنترنت.
نظر إليّ نافرًا وقال ببراءة: "Facebook يا جدع... وهو مفيش غيركم اللي بيفتحه"
"لا يا عم مقصدش حاجة والله... بس مش متعود إني أركب مع سواق معاه I-Phone"
صمتٌ إلكترونيّ، وتحرك (الميكروباص) مسافة الشبرين... ثم سألت السائق من باب الفضول وأنا أرى أصابعه تتحرك بسلاسة على شاشة الجهاز:
"وده جبته منين بقى ؟!"
بدا عليه الشعور بالإهانة كأنني اتهمته بسرقته -وهو المغزى الواضح-، لكنه أجاب بهدوء:
"بـ 50 جنيه من السوق السودا حضرتك... من أيام الثورة..."
"وهي مش حرام الحاجات دي تتباع بالتمن ده ونشتريها ؟!"
"وهو مش حرام مفيش غير اللي راكبين ملاكي هم اللي كانوا بس بيشتروها بتمنها قبل كده"
إجابته كانت عميقة للغاية... لم امتلك لها ردًا مُقنعًا، فسألته:
"وبتعمل ايه على الـ Face ؟!"
"وهم بيعملوا ايه عليه... بنشوفوا الدنيا... وأحوال البلد"
أردت أن أتوقف عن الحوار، لكن سرعته في الرد كانت مُغرية...
"يعني انت زي ما بيقولوا من شباب الثورة وشباب الـ Facebook وكده ؟!"
"ايوه يا بيه.."
رد سلِس وانفتاح لباب (الميكروباص)... غادر أحد الركاب وسط الزحام، واستقل آخر... ثم وصلت الأجرة للسائق... (20 جنيه)... أخذ السائق الورقة، وأراد جمع الباقي للرجل... ولهذا أعطاني ما في يدِه كي أحمله... أعطاني الـ (آي- فُن).
* (صندوق، صفحة رئيسية، أصدقاء، مجموعات، التنبيهات....) وصفحة كاملة من اللغة العربية غير المعتادة على شاشة الـ I- Phone... لم أعرف ماذا أقول... السخرية لن تكون حلاً في هذا الموقف على الإطلاق... دققت في الشاشة... كان يتصفح صفحةٍ ما...
لكنه سحب الجهاز من بين يدي فجأة، وتحدث دون أن أسأله:
"يا باشا"
أكره هذه الكلمة...
"يا باشا... إلا هم ليه دايمًا نازلين تقطيع في السواقين والناس اللي على قد حالهم يعني على الـ Face... مش عاجبكم حاجة انتم يعني..."
"مش كُله والله بيعمل كده... بس انت عارف يعني فيه ناس كده بتحب..."
"بتحب تحلوّ .. صح ؟!"
"صح..."
كلامه كان صحيحًا مائة بالمائة...
(على جنب- اللي جاي- يا أسطى- لو سمحت- ...)
كلمات كثيرة ارتدت على مسامعي، توقف كثيرًا... واخترق الزحام... تحدثنا... حاولت أن أعرف عنه أكثر، لكنه بدا كمن يصد الشخص الجالس بجوارِه... الأجواء كانت حادة قليلاً... الفارق الاجتماعي الثقافي كان واضحًا... بصورة جعلتني أفكر في كلمة (آي- فُن) كثيرًا... أفكر في واحدة من الحقائق التي ذكرها لي... كوننا نميل إلى الطبقية على الرغم من الروح المثالية التي تظهر في التعامل مع أمثالِه من الطبقة البسيطة... هو بالطبع لم يُدرج الأمر بهذه المعاني، إنما قال:
"انت معلش سعادتك... ناس كتيرة زيك كده بيكونوا جنبنا على نفس الكرسي... بس الكلام ده في (الميكروباص) بس... هم شايفين إنهم دايمًا في الكرسي اللي فوق"
* وصلت أخيرًا... استأذنته في النزول... نظرت نظرة أخيرة على الـ I-Phone الذي يحمل شعار التفاحة المقضومة... أردت أن أعرف أكثر عنه، أن أدقق فيما كان يتصفح، وأن أستمع إلى المزيد من كلماته التي لخصت الكثير ببساطة.
لكني في النهاية غادرت (الميكروباص)... (الميكروباص) كان مُناسبًا تمامًا ومُريحًا، لم أكن لأختار أفضل لو كان الزحام خياليًا.
شيء أخير... خطوة لم أتوقع اتخاذها قبل النزول... ورقة وقلم وحركة سريعة، وكتبت له (بريدي الإلكتروني) وبجملة مُترددة خاطبته:
"ابقــ ـــى ضــيفني عندك.. لو معندكش مانع..."
أخذَ الورقة وابتسم لسببٍ ما... وفي الطريق للكلية المرموقة، فكرت في ذلك الجانب الاجتماعي من شخصيتي، كيف لي أن أرسم له الحدود... بالتأكيد لن أقوم أنا بإضافته على الـ Facebook بنفسي.
(زيك- جنبينا- فوق)
عن الطبقية كان يتحدث.
يُتبع...
TnT
in the House
30 يونيو 2011
A Great Welcome-Gift ,, Ma Friend !
ReplyDeleteأحلى بداية أو "استفتاحة" .. مقبولة منك يا معلمي ! :D :D
،،
بغض النظر إن عانيت كتير قبل ما أفهم العنوان .. إلا إني للأسف لما عرفت معناه قلبي مش بس وجعني... كنت حاعيط،، يا لهوي بجد !!! xD xD
،،
بس عاجبتني الحقيقة فلسفة السواق "الميكروباصية" !!
،،
Perfect Job as Always, Ma Friend !
استمر يا تـــي ... لا أوقف الله لك قلمًا ! :D :D :D
Mrs.Zika Lovett
3gbanii Awi .. Ra3'm En Naderan Ma Bt3gbni 7aga Enta Bt3mlhaaaaa xD .. El 2asd Ya3ni .. I Can Feel It Really .. I Can Feel Ur Social Side " Essayyyyyyk .. Essayyyyyek xD " May Be U Be Can Friendlly .. But U Were Reght Be Friendllhy But Not Be A Friend : )
ReplyDeleteسعادتك
ReplyDelete،،
الحاجات دي تتمسح من البلوج عشان تتنشر ف كتاب !
..
عجبتني اللغة ، الموضوع كإنك ماسك كاميرا واللي بيقرا بيشوف القصة مش بيقراها .. من أكتر الحاجات اللي كتبتها واقعية في التفاصيل، ومفيش مبالغة ف وصفك للسواق ، أقصد الصورة النمطية اللي بتبقى عند ناس كتير عنهم ..
تنفع فيلم قصير على فكرة يبقى بنفس الاسم .. وتخيل الموسيقى بتاعة "حاوي" ف ال
Background
بالذات مع آخر فقرة
Chapeau !
زي ما زيكا قالت، لا أوقف الله لك قلمًا، فاكس من "الصمت الالكتروني" ، متتأخرش بالجزء التاني يا عم
kal 3ada gamila w btwassal fkra f shakl hazli and u didn't lose your point fi seyaq el qessa. Well done T :)
ReplyDeleteT cant adore it moooooooore la2in maybe 7aga msh leeha 3elaka bil note aw bil fekra elli 3ayz tewasalaha bas ana 7aseitaha awiiiii awiiiiiii awiiiiiii w hya "el3'aya tobarer elwaseela" aw msh 3arfa awsefhalak ezay in ma3 e5telaf eltaba2att bet5telef elara2 3ala nafs el7agaaaaaa bil zabt 3ashan yebararoooha w ye3rafo yenamo 3al ma5ada tafseero elmanteky 3ala el Iphone eno fe3lan law kan el7agat deeh bi se3r motawafer lil gameee3 kan 2a2al 7aga mmken mat7aseshomsh bil e5telaf eltakabky elshashe3 w llaw geina w olna maslan tb lih el7aga msh fi motanawel elgameee3 (bil ra3'm mn ra3'bet eltabka elli fo2 bi wegood el e5telafat wel talazoz bi 2en el7aga deeh msh ma3a 3'eirhom) 7ay2ololak tb mafeeh nas betshtereeha law kan tamanaha msh monaseb makantsh la2eit 7ad yeshtery w e7na msh bensra2 wala me3'alyeen 7agaa bedalil in elkol ma3ah elproduct
ReplyDeletew doniaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaaah
yasmine ayman
ya reit law feeh reply yeb2a 3al facebook 3ashan msh ba3raf ad5ol tany 2a2raah
i liked it awi
ReplyDeletegmeeeel awyyy 3ala fekra ana a3da a2ra w ana mostmte3a awy b klamak bgd bseet awyyyy w yeshed el wa7ed enno ye2rah
ReplyDelete