Tuesday, November 9, 2010

فوق الصِفر ! + 1 +


فوق الصِفر !
   + فصل 1 +


( عـالـم )
   World  

   - 1 -   
المساء...الوقتُ الوحيد الذي أستمتع بقضاءِه،
فهو فُرصتي الوحيدة كي أكونَ إلى جانبِها،
 كي أستمع لأنفاسِها المُنتظمة، لأشتم عطرها،
 وأتحسس يدها، لأذكّرُها بكل براءة: "أنا أحبك!"...


ومسائي يعني الخلودَ إلى الفراشِ والنومَ المُبكر،
 هربًا من روتين حياتي المُعتاد، من كل المُشكلات
العائلية والشخصية التي تُحيط بي، من ثقتي
 بنفسي المُعتلّة، وإيماني بأن لا شيء يأتيني سوى
الحظ السيء، والفُرص المهترِئة، كأن القدر يتحين
 الوقتَ لإبتلائي بالمصائب!


ودعونا لا نلعبُ لعبةَ القدر، فإنه المساء...
يأتينا بهدوء، ويأتيني أنا بفُرصةِالوأولِ إلى جوارهِا،
ببداية شعوري بالأمان، والتظاهر بالثقة للليلة.


لكنّ مع المساء، يأتي الصباح في نفس الموعد،
ومُشكلة الصُبحِ أنه لا ينسى أبدًا، دائمًا يأتي في
نفس الموعد، وكأنه ينتظرني وأنا أستيقظ بذاتِ
الاابتسامةٍ الصفراء، والتي تتحول إلى غضبٍ سريع
مع محاولاتي لتدمير المنبه.
ولو أنني أكره شيئًا أكثر من الصباح فهو المنبه،
الذي يُعلمُني بإنتهاءِ مسائي، والأدهى أنه
يُذكرني كم أنا أخرق، وكيف أن ليلي لم يكن شيئًا
 سوى حُــلــم !

فهي لم تكُن جواري، لم أتحسس يدها، ولم أكلّمها،
كل هذا من خيالاتي البائسة، والتي تجعل حياتي
بلا هدفٍ غير رغبتي في فقدان هذه الحياة...
 وأحيانًا هدفٍ آخر هو أن أقول لها/ "إني أحبك" !



 - 2 -   
أنا كغيري... أو هكذا اعتادت والدتي القول!
لكني لم أكن كغيري، لم أكن مُميزًا، لم أكن مشهورًا،
لم أهتم من قبل بالأحداثِ الجارية من حولي،
ما بالي أنا بما حدث لُفلان، وكيف آلت الأمور بهؤلاء!
في حين أن هُناك الكثير مما يبدو عليهم مظاهر النعمة،
الكثير ممن يحصلون على كل شيء، في حين أنك 
لا تمتلك سوى القليل.

ربما احتوي يومي على قليلِ من الأحداث التي تبدو مُثيرة،
لكن في النهاية يبقى الحال كما هو.

ففي الجامعة، يتطلب منك الأمر أن تواكب
الحياة الجامعية بمُختلف مظاهرها، المعهود منها،
والمُبالغ فيها، ستلجأ في الكثير من الأوقات
إلى مُنافقة هذا وذاك، ستكتفي أحيانًا بالسكوت،
ستُراقب غيرك يتقدم، وغيرك تتراجع أحواله،
ناهيك عن الجماعات المُختلفة التي ينتمي إليها البعض،
أما أنت فلا تنتمي لأيٍ منهم...
لا لطلبة الجامعة المُأنقين الأغنياء، لا للمُتفوقين،
ولا حتى للمُتشددين لنزعةٍ ما.

أين أنا وسط هؤلاء؟!
أنا مُجرد شبح يمُر كل يوم بالممرات، لا أحد يشعر بي...
سوى البعض من أمثالي، يأتون إليّ بإيماءاتٍ
 هي تحية الصباح بالنسبة لنا.

وهُناك أيضًا المُتنمرون، وحاملي العضلات...
وتحيتهم تكون بالتصادم، أو الإهانات الشفهية، وعن نفسي
أفضل الأمور الشفهية، فهي تنتهي على خير!

ولا أنسى أنني أّفوت مرورها كل يوم، 
آتي مُتأخرًا إما بسبب زحام الطُرق أو
زحام العقول في المنزل، فلا أتمكن من رؤيتها وهي تعبر
من الممر الخاص بالقسم، لا أرى شعرها الذهبي،
ولا أسمع صوت الكعب الرنان الذي ترتديه...
فقط أكتفي بآثار رائحة عطرها الذي عبّق الممر.

ثم تأتي الدراسة...
ورفقائي الهمجيون، وأساتذة الجامعة الذين
 لا يعيرون لي أي انتباه،وتقديراتي الدراسية البائسة....
 وغيره وغيره !

ثم يأتي هو !!!



 - 3 -   
أنا لستُ أرغب في أن أكون مثله،
أو أن أمتلك ما عنده.
أنا لا أحقدُ عليه... لا لستُ بحاقد،
ولماذا أحقد عليه؟!
إنه مُبالغ فيه إلى أبعدِ حد،
مُبالغ فيه بشكل رهيب!

يبدو في حالٍ جيدة دائمًا،
لا يبدو في مثل عُمرنا، لا يبدو كطالب
في عامه الجامعي الثاني،
وكأنه يحيا في عالمٍ خاصٍ به!
يُحيطه غموضًا مُريبًا، يبدأ من نظرته، وينتهي
بحصولِه على كل ما يُريد، وعلى الرغم من أنه ليس
الأكثر شعبية في الحرم الجامعي، لكنه بالطبع صديقًا
لكل من هو مُميز.

ستجده تجلس إلى جواره فتاتان، تسيران معه دومًا...
تسند إحداهما على كتفه بشكل دائم، في أي مكان،
في أي وقت، حتى في أثناء المُحاضرات، لا يكترث أيًا
من ثلاثتهم للأجواء المُحيطة.

نعم، إنه أكثر من يُحيرني بنجاحه الدراسي، العملي،
الاجتماعي، الرومانسي... كل شيء لديه تقريبًا !

وأنا لا أملك أي شيء!
حسنًا.. الآن أعترف... أنا أحقد عليه.


 - 4 -   
شـك ويـقـين !
تيقنتُ أنه ينظر إليّ دائمًا...
وأشك أنه يظن أنني لم ألاحظ !

لكن نظرته كانت مُختلفة، كان ينظر لي بنوعٍ من الكراهية،
ولا أحد ينظر لي هكذا ! ... نعم لا أحد !
ناهيك عن كم الضغينة التي أستشعرها تأتيني من نظراتِه.

إنني أعرف تمامًا، أشعر، أتحسس، أستشف...
أعرف أنك قد تكون حاقدًا أو ما شابه،
لكن لا تنسى أنك ترغب فيما لديّ...
السُمعة، الشعبية، الأصدقاء، الفتيات، النجاح!

مُشكلتك أنك تأبى الاعتراف برغباتكِ هذا...
مُجرد حقد ينبع من داخلك !
ليتها غبطة، ليته حسد !
فربما قد تكون نجحت في الحصول على أي شيء مما لديّ...
أو ربما لا ... لأنك حينها ستكون في عالمي... وسيتوجب
عليك أن تتبع القواعد التي أتبعها!


- 5 -   
أنا ألعب ضمن فريق السباحة المُمثل للجامعة!
تخيل !!... بالرغم ما ذكرته مُسبقًا من اعتراضي على 
تقسيم الأرزاق وخلافه، لكنّي ضمن فريق السباحة فعلاً،
وهذا لا يتعارض أي مُعارضة مع ما ذكرته !
حيث أنني موقوف مُنذُ مُدة، عدة شهور بالتحديد،
وهذا لكوني الأسوأ بالفريق - لا تعارض-!

واليوم فقط في إستاد الجامعة،
ناداني كابتن الفريق أثناء تدريب باقي أعضاءه، وقال/
" أريد أن أخبرك بشيء في نهاية التمرين".
وهكذا قضيت ساعة كاملة أكتفي بالمشاهدة،
مشاهدة أقراني يُداعبون المياه بكل مهارة،
ومُشاهدته هو وفتياته !!


هو لا ينتمي لفريق السباحة على الإطلاق، لكن أقرب 
أصدقائه هو أهم أعضاء الفريق، فطبيعي أن تجده
 هو وجماعته هنا، كي يحيا في عالمِه الخاص، كما اعتاد أن يفعل.



- 6 -   
ناداني الكابتن أخيرًا، ولم يمر الأمر مرور الكرام،
خاصة مع وقوف جميع من بصالة حمام السباحة
من أجل مشاهدة العرض التالي...

"أنت تعرف جيدًا أنه تم إيقافك، وأعتقد أنني حددت لك بضعة شهور
كي أخبرك بمصيرك في الفريق".
وجّه الكابتن حديثه لي بابتسامة مُصطنعة لم تغادر شفتيه.

- هززت رأسي: نعم!

"إذن، قراري النهائي هو أنك مطرود من الفريق للأبد!"

- هززت رأسي مُجددًا : "نعم .. رائع !"
ثم اقتنصت نظرة تجاهه هو وفتاتيه، وقررت للحظة ألا
أرضى بالاستسلام السريع.

- سألت الكابتن بجِدة: "لكن، هل لي أن أعرف لماذا ؟!
بعد كل هذه المدة؟! ... أنت لم تسمح لي حتى بالتدريب
 من أجل تحسين الأداء!!"

" اها ... عن هذا، لم يكن هُناك وقت لتدريبك في الواقع...
لكن المسألة يا عزيزي، أن .. ايــ ... أمم ... فلنفترض أن
حمام السباحة هذا  هو بحر أو نهر... ولنفترض أن جميع 
من في الفريق هم الأسماك...  ستجد أنهم مثل أسماك القرش
يتقاتلون... أقصد يُقاتلون من أجل الفوز !
أما أنت فمثل قنديل البحر الذي لا يُسبب لهم سوى الإزعاج !"

كان هذا أسخف ما سمعت في حياتي قصيرة الأجل،
كلام بلا أي معنى، من فم رجل لا بد أنه يحيا أزمة مُنتصف العمر.

- قاطعته بغضب: "أولاً... أسماك القرش لا تعيش في الأنهار !!.."

تنهد هو بشفقة، ثم وضع يده على كتفي...
- أزحتها بُعنف: " وكل ما قلته في مُنتهى السخافة!"

" لا تتحدث لي هكذا ... كما أنك .. ماذا تفعل هًنا على أيّة حال ؟!
أنت مطرود، وأنا مؤهل... ايـــ .. أقصد مُخوّل تمامًَا لقرار كهذا"
ثم ضحك ضحكة بلهاء!
بينما حملت أنا نفسي على المُغادرة...
لكن لم يسمح لي البعض، رفقاء الفريق الأعزاء، الذين
قرروا أن يتحفوني بإهداءٍ أخير يُذكرني جيدًا بالفريق،
أو بالتحديد بهذا اليوم.

اجتمعوا وشكلوا هجومًا شعار حملته هو
"ارمي القنديل"، ثم حملوني وألقوني في المياه
مُرتدٍ لملابسي الكاملة، أحمل كل مُتعلقاتي، الهاتف، والحقيبة،
وغيرها.... كُل شيء تلف ولا شك...
لكن أهم ما تلف هو الرمق الأخير من استعدادي للحياة،
اختفى ذلك الخيط مع مُشاهدتي له وأنا أسقط في المياه...
كان يضحك هو وفتياته... كالعادة!

- كم أتمنى أن يأتي المساء.



 - 7 -   
لقد قررت أخيرًا، قررت أن أمد يدي لمساعدته،
وأنا على دراية كاملة بِعظمِ الخطوة التي سأخطوها معهK
لكن كما فعلها أحدهم لي، سأفعلها له...
سأشركه في عالمي، وستبقى المشكلة الوحيدة هي
أن يتمكن هو من الولوج إلى هذا العالم!
على الأقل هذه ستكون مشكلته.

بالأمس ضحكتُ على هذا الطالب الجامعي
المُحطم، ضحكتُ كثيرًا، ولستُ فخورًا بهذا...
فالسخرية الخالصة تستل من طاقتي الكثير،
لكن اليوم سأعمل على أن تختلف معه الأمور.

رأيته وهو يهرع في الممر مُتأخرًا كعادته،
ثم رماني بنظرته المُعتادة، وتذمرَ من حالِه المعتاد،
ثم بدأ يستعد للتوجه إلى المُدرج لأجل المُحاضرة الأولى،
لكنه توقف، جميعنا توقفنا لمّا جاءنا صوتٌ ما، 
حذاء رنان بخطوات مُتزنة لها نغمة خاصة.
وسبق الصوت رائحةُ عطرٍ آخاذ، ثم جائت هي...
الفتاة الأجمل في الجامعة، الشقراء الجذابة التي تمنحك
ذلك الشعور بأن الحياة بأكملها ليست أكثر من توهج!

الجميع رفع أذقانه ليراها، الفتيان والفتيات...
الجميع ابتسم، والبعض ترنح لابتسامتها،
أما هو فلم يُصدق أنه رآها أخيرًا بعد مدة طويلة،
والأكثر أن شيئًا غير مُعتاد قد حدث، 
 لقد توقفت في منتصف طريقها عبر الممر، ثم غيرت من اتجاها...
أصبح يرى وجهها، ترنح هو الآخر بينما تمر هي جواره...
فاصطدمت به بعفوية، ثم توقفت ونظرت لعينيه مُباشرةً
وأخبرته بابتسامة صافية/ "أنا آسفة!"
ثم رحلت كما جائت، رحلَ الصوت، وبقيَ العطر!

أما أنا... فلم أكن أنظر إليها، اكتفيت بابتسامتي الغامضة
وحركات الخفة التي اصطنعها بأصابعي، بينما فتاتي تربُت على كتفي.
لكن هذا لا يُعوض ما أخذته من طاقتي... فقد كان فوق ما تخيلت!

- 8 -   
شيءٌ غريب حدث اليوم!
لم يصطدم بي أحد... وعلى الرغم من كوني متأخرًا
 كالعادة، إلا أنها أيضًا تأخرت، ورأيتها...
لا لم أراها... لقد حدقتُ في عينيها، ونظرت هي إليّ...
بل حدثتني أيضًا... أشعر أنني لا زلت نائمًا أحلم!

لكن أغرب ما حدث كان هو !
لقد رأيته في الصباح، في الممر ...
يفعل أشياء عجيبة !
بدأها بحركة غريبة من رقبته، ثم وضع يده على رأسه
وأشار بها في الهواء... بدا وكأنه يؤدي نوعًا من الشعائر !
يؤديها وهو ينظر نحوي !!
ثم ختم الأمر بإشارة من عينيه بعدما مرت هي في الممر.

"أذكر وسيلة كي تتسامى بروحك!"
وضع المُحاضر يده أمامي.. وهو يوجه لي هذا السؤال...
كُنت أجلس في الصف الأمامي، كأنني في المدرسة مُجددًا،
ولا أحد يخرج عن المناهج الدراسية المألوفة، ويأخذنا في
أحاديثٍ روحانية لا طائل منها سوى مُحاضر الفلسفة هذا !
أليست هذه هي الفلسفة في حدِ ذاتها؟!

- تأتأت قليلاً، بينما ضحك جميع من في الفصل...

( التأمل!)
أجاب أحدهم، كان هو بالطبع بصوتِه المُميز
وعشقه اللامُبرر لتفسيراته الفلسفية.

صفق المُحاضر: "ممُتاز... نعم.. وأحب أن أضيف..."

قاطعه: (التسامح!)

"نعم.. وهذا أيضًا..."

قاطعه مرة آخرى: ( التخلي عن الحقد!)
(الإيمان !)
(الثقة!)
(أن تتبع العلامات!)


- 9 -   
لماذا شعرت أن كلامه كان موجهًا لي ؟!
لا أدري...
رُبما لكونها الحقيقة، وأني لا أملك أيًا من هذه الأشياء
داخلي، وبالطبع لم يحدث قط أن تساميت بروحي
مهما كان معنى ذلك!
فأنا في نهاية الأمر، التحقت بكُلية الآداب لأنني لم أنجح
في الالتحاق بغيرها، واخترتُ الفلسفة لأنني لا 
أبرعُ في اللغات، كما أني أمقُت المواد الأدبية الآخرى،
بل وأمقُت الفلسفة أيضًا.

بالعودة لكلماتِه والتي شعرت بكل كلمة،
كطلقات الرصاص، تهُز مسامعي، ثم تُصيبني..
والغريب أنني تأثرت.

لكن السؤال الأهم، والحدث الذي أعُده أكثر إثارة في اليوم
هو لماذا جاء إليّ في فترة الاستراحة... ولماذا حدثني؟!


- 10 -   
في ذاتِ الممر الذي شهد إحيائي صباحًا،
وجدته قادمًا نحوي، هو وواحدة من فتاتيه... الشقراء بالتحديد
وبمُجرد أن وصل عند قدماي، أشار لها أن تُغادر، فغادرت مُتأففة.

ثم باغتني بسؤال لم أتوقعه: (لماذا تنظر لي هكذا؟!)

- ترددتُ قليلاً فلم يسبق لي أن أتحدث معه:
"لماذا نظرت أنت لي في الصباح؟!"

(أنا سألت أولاً)
ابتسم لي بغرابة!

- شعرت بنوعٍ من الحرج، لكني أجبته:
"أنا لا أنظر إليك... أنت مُبالغ في أمورك !
ماذا يدفعني للنظر إليك إذن؟!"

(دعني أرى... رُبما لكونك ترغب فيما لديّ!)

- صُدمت بهذا الرد...
" لا ... لستُ ..." 
- حاولت أن أرد في المقابل...

(مُشكلتك هي في روحك...)

"احتفظ بهذا لاختبار الفلسفة هذا العام..."
- قاطعته، كُنت أشعر بحرج شديد، ولم أرغب في تكملة
هذه المُحادثة العجيبة.

(أنت تحتاج لأن تؤمن بنفسك...
هل فكرت حقًا من قبل أنك ترغب أن تكون في حالٍ أفضل؟)

- قاطعته مرة أخرى:
" ومن تظن نفسك لأن تقول كل هذا؟!"

(ماذا تظن أن أكون؟!)

"ساحر؟!... نظرًا لما رأيتك تفعله صباحًا..."
- الآن بدأت أكون في مُنتهى الغباء!

(ليس هذا... هل لديك أقوال أخرى؟!)

- "مُتحكم بالعقول، دراكيولا..."

نظر لي نظرة غامضة، لكنه لم يضحك على سخريتي الواضحة
(لستُ مصاص دماء، ولا الرجل الذئب أيضًا... أتدري... خيالك هذا
سيكون مُفيدًا جدًا... فقط لو أردت... أمم .. سأساعدك!)

- "أنا لا أحتاج لمُساعدتك..."

قاطعني هو هذه المرة:
(في الواقع.. أنت تحتاج... لكن ليس الآن...
أنت الآن في حاجة للتتخلى عن كل الحقد داخلك،
 وأن تكون مُستعدًا لتقبلي كما أنا!)

- "أنت غريب حقًا... كما أنك لا تعرف عني أي شيء
لتقول كل هذا.. لتدّعي كل هذا... فقط .. اتركني
واذهب لفتاتك هذه!"
ثم أشرت إلى الفتاة الواقفة على بعد خطوات من كلينا.

رمقني بنظرة عميقة...
كانت ككلماته المُتتابعة في مُحاضرة الفلسفة...
نظرة تخترقك وتُصيبك بحدة، ثم قال آخر كلماته وهو
يتراجع للوراء خطوة بخطوة:
( في الواقع.. أعرف عنك ما يكفي...
أعرف أنك تعيش حياة بائسة يائسة، لدرجة
أنك على استعداد للتخلي عنها...
وعلى استعداد للانتحار بكل بساطة...

لكن خمّن ماهية الأمر...
لو حدث وانتهى أمرك... فلن تستطيع أن تراها
كما رأيتها اليوم... لن تراها أبدًا). 


- 11-   
الحقد !
كلمة لا أفهمها !
إنني أحاول أن أتسامح، وأُقنعَ نفسي أنه ليس أكثر من مجنون !

لا يهم...
أنا الآن في المنزل، وعمّا قريب سيحلُ المساء، 
ومسائي سيكون مليئًا بالأحداث...

لكنّ اتصالاً هاتفيًا بسيطًا غيّر من خطتي
 لإنفاق الساعات القليلة قبل الليل.
اتصلت والدتي، وأخبرتني أنها هي وأبي قادمان للمنزل خلال ساعة
وأنها تُريدني خارجًا، أن أذهب إلى أي مكان، حتى ينتهوا من مُساومة
أمور الطلاق، والتي استمر الجدال عليها طويلاً.

حسنًا سأخرج، وسأترك المنزل للمحامين من أجل تفكيك
العائلة المُفككة أكثر وأكثر !
كما أنني في كُل الأحوال، لن أحتمل وجود الأقارب من الطرفين،
هؤلاء  الذين يقفون دائمُا إلى جوارك، في الأفراح والأحزان،
من أجل التهليل وحسب.

وهكذا فقط خرجت...
سرت في كل مكان مُجاور، ذهبتُ إلى مُجمع الخدمات الجامعية،
حيث مكتبة الجامعة، واستاد الجامعة، وحمام السباحة...
دخلت، وقررت أن أودع صالة السباحة توديعًا أخيرًا
لا يتضمن إلقائي في المياه بملابسي!

الصالة كانت مُظلمة بشكل كبير،
ومن المياه خرج أحدهم فجأة، 
بالتأكيد ليس سمكة القرش،
لكن في الواقع كان هو !!


- 12-   
(أنت هُنا!!.. لم أتوقع !)

أنا الذي لم يتوقع أي شيء !

- "ماذا تفعل هنا؟!"
سألته بدفاعية...

(لا يتوجب عليّ أن أكون ضمن فريق السباحة كي أكون هُنا !)
ابتسم لي بقليل من السخرية...
ثم أكمل: ( انتظر هنا.. حتى أرتدي ملابسي)

ولأن المكان كان مُظلمًا، فاكتفيتُ بسماعِ خطواته
 تُغادر في المدى، وتعود بعد قليل.

(إذن ؟! .. هل قررت؟!)
سألني وهو يحمل حقيبة صغيرة على كتفه.

- " قررتُ ماذا بالتحديد... أنا لم أخطط لأن أراك من الأصل !"

(أحيانًا العلامات هي التي تدفعك، حتى لو أبيت أن تتبعها)

- دققت النظر في وجهه، بينما تعمل عيناي 
بجهد كي تُرشدني في الظلام لملامحِه...

"كيف ستُساعدني بالتحديد؟!"

( ببساطة !!...
لكن الأمور تأخذ خطوة خطوة !
سأحاول أن أخبرك كي تحصل على ما تريد...)

- "كم عمرك ؟!"
سألته هذا السؤال ... ولستُ أدري لماذا !

ضحك ضحكة خافتة، وأجاب:
(بالتأكيد نفس عمرك أو أكبر قليلاً ... ماذا تعتقد !)

- لم أرد... وتركته يُكمل...

( الأمر بسيط... فقط ستتعرف على إمكانات
عقلك وروحك والطاقة التي تحملها داخلك...
كي تجعل كل هذا شحنات إيجابية تُحرك حياتك ...
شيء مثل قانون الجذب لو تعرفه !)

"نعم... قرأت عنه... وحاولت أن أطبقه، لكني فشلت !"

صمتَ للحظة ثم قال:
(سننسى هذا مؤقتًا ...
ستحتاج الآن إلى أن تُفسح المجال لخيالك ..
وأن توافق على الدخول لعالمي هذا !!)

إذن، هو من كوكب آخر كما ظننت !!

- سألته سؤالاً آخر:
"كيف يعمل عالمك إذن ؟!"

(ستعرف كل شيء في وقته..
الأمر بأكمله كنوع من الشحنات
الموجب والسالب... هكذا فقط ...
سنكون في مكانٍ ما بين الاثنين!)

- "حسنًا .. أنا أوافق !"

حتى الآن، لم أكن جادًا في أقوالي...
كنت أسايره وحسب، أنا لم أفهم أي شيء ممّا قاله،
تذكرت خط الأعداد الذي اعتدنا رسمه في المدرسة
الإعدادية، لكنه قال الكثير مما أثار فضولي فيما بعد:

(إذن .. يجب أن تجتاز أول اختبار لك .. الآن !)

- "وما هو ؟!"

(البقاء !!... اخلع ملابسك !!)

- "عفوًا ؟!"

(اخلع ملابسك... ستنزل إلى المياه .. ألست سبّاح ؟!)

- "كُنت !!"

(استعد فقط !!)


- 13-   
أنا الآن على الحافة، بملابس السباحة...
ومن المُفترض أنني سُألقي بنفسي في هذه المياه،
مع هذه الظُلمة، وفي وجود هذا الشخص!

وقف أمامي...
استطعتُ أن أرى عينيه في الظلام!
وشعره البرّاق المؤنق!

(هل أنت مُتأكد من هذا ؟!)

- "مُتأكد من ماذا ؟!"

(من رغبتك في دخول هذا العالم !!)

- "أنت غريب حقًا !"

(لأنه في اللحظة التي عقدت فيه اتفاقك معي
سواء كنت جادًا أو لا ... أنت تأخذ خطوة مهمة !)

- "أيَا كان"
حاولت أن أجعل صوتي هادئًا بقدر الإمكان...

ثم فجأة، مدّ يده...
ووضعها على صدري...
وتحدث ببطء:

(لأنه في اللحظة التي ستشترك فيها بهذا العالم،
لن يكون هناك أي فرصة للعودة للخلف،
سيتوجب عليك أن تُقاوم حتى نفسك...

اللحظة التي سيلمس فيها جلدك هذه المياه،
ستكتشف أنك لست سباحًا ماهرًا، أنك لست سباحًا 
على الإطلاق، ستجد المياه أكثر من مُجرد مياه...

سيتوجب عليك أن تتخلص من كل أفكارك السلبية،
أن تفكر فقط في كل ما يُمكن أن يُصبح إيجابيًا في حياتك،
ستتخيل لنفسك مُستقبلاً أفضل...
وإلا ستجد كل أفكارك السلبية تسحبك إلى القاع،
وعلى الرغم من أنها قد تبدو أفكارًا هينة، إلا أنها ثقيلة،
ستأخذك لأسفل، ولأسفل... نعم ستغرق... تمامًا كما أردت
أن تتخلص من حياتك !!)

ثم دفعني في المياه !
دفعة بسيطة كانت كافية، ولم تكن لديّ أي فرصة
للتفكير، لكن الغريب في الأمر أنني استوعبت كل كلمة قالها...

والأغرب أن المياه كانت أبرد ما تكون...
أظلم ما عهدت، وأثقل مما تخيلت...
وفي أعماق حمام السباحة، لم أتخيل أن كل ما تعلمته 
في هذه الرياضة لا يُفيد الآن...
كنتُ أغرق !!

بينما آخر نظرة ألقيتها عليه وأنا أقتربُ من السطح...
كان يُغادر فيها ويتركني...
هكذا... بمثل هذه البساطة... رحل!



- 14 -   
وهكذا... وبمثل هذه البساطة...
رحلت !!

يُتبع !

16 comments:

  1. Thanx For LG , Sara, Esso & N3 :))

    ReplyDelete
  2. فوق الصفر ..!!!!!!
    الأسم تحس إنه جديد ..

    أيوة كده !!!! ;)

    لا تعليق .. بجد يعني .. كده أحسن بمراحل من أنها كانت كويسة كمان ف الأول .. مستنية الجزء التاني ..

    Chapeau !! =D>

    وبعدين
    There is No Need to Thank me ..!
    It Deserves .. ;)

    ReplyDelete
  3. - hehe .. thanx Latifa ...
    yup el esm gah ma3 shwiet afkar keda xD xD ... a7san men el tanu akeed ...

    sa7i7 ... shofty ba2a awel kam satr elly kano na2seen .. hehe

    thanx :))

    T

    ReplyDelete
  4. el esm 7elw ya T..
    w blash 7ewar thnx wl kalam da :D
    el kam satr el awaleen 3amlo sho3`l gamed :-bd

    wl edafat 5altha 7elwa 2oryba lel donia elly 3aysheen feha :d
    good job ya tare2 :-bd

    ReplyDelete
  5. Thanx Esso .. hehe .. we tla2eeky awel mara mal2eteesh awel kam satr .. hehe .. kont naseehom ^ ^

    T

    ReplyDelete
  6. 3agbany 2l fkra w 2sloob 2l ktaba :D w 3agbny kman 2nha 3'amda kda msh 3arf 2zay xD
    la w 3agabtny gomla kda
    (!ثم رحلت كما جائت،رحلَ الصوت، وبقيَ العطر)
    :D
    Good job kal 3ada ;-) w Keep it up :-bd
    2na mstny Part 2 :D

    2l LOL !! :P

    ReplyDelete
  7. ya ahlan ya ahlan !!
    etfadal ya LOL xD
    3andena kool 7aga :))

    la2 begad .. I'm so happy enak fel Blo3'
    el motawad3a de ... and happy enha 3'agabetak :))

    thanx LOL
    T

    ReplyDelete
  8. tarek hea leh el beta3a de 7elwa awy keada :D :D
    low sama7t kamelha bsor3a 3ashan 3aez a3raf ba2etha :)

    ReplyDelete
  9. Doppy ...
    U r so freakin Welcome fel Blog :)))

    thanx D :))

    T

    ReplyDelete
  10. بجد عجبتني اوووي
    المرة دي فيها حاجة مختلفة كمان فيها شوية تشويق كده ...بس ده فايد القصة جداااا بس الغريب اني مفهمتش ايه علاقة فوق الصفر بالقصة اساسا ؟؟
    مستنين الجزء التاني ان شاء الله
    بس انا عاوز اعرف اسم الشخص ده (k)??

    ReplyDelete
  11. يا هلا يا كريم ...

    الاسماء بقى .. هيهي
    مشكلتي الدائمة ... لسه محددتش اسمائهم بقى ^ ^

    نوّرت !!

    T

    ReplyDelete
  12. اصلي مش عارف ليه
    لما شفت حرف (k)
    مطمنتش ..اصله حرف مريب لعلمك
    بجد جاااااااامدة اووووي

    ReplyDelete
  13. هو مــــــــات ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

    ReplyDelete
  14. Nooooo :D

    ana elly mott fel ketaba ... lel asaf de belzat Postponed awy xD

    anyway .. u always push me to rewrite xD ... maybe I'll do the same here :))

    T

    ReplyDelete
  15. LOL :D .. Yes please .. that was is an Epic!!

    ReplyDelete